مؤلفات اعضاء الجمعية
القطبية الثلاثية في إعداد مدرسي اللغة القومية
أ.د. سعد علي زاير
د. منير راشد فيصل الفرطوسيّ
المقدمة
يرى المتخصصون في مجالي التربية والتعليم أنَّ اللغة القومية يجب أن تتبوأ مركزًا متميزًا بين تلك اللغات التي تدرس للطالب لغات ثانية إلى جانب لغته القومية، لاسيما وأنَّ عصر العولمة الذي يفضي إلى انعدام الحواجز والحدود قد أصبح أمرًا واقعيًا، يجعل من التمسك باللغة القومية والهوية الثقافية أمرًا جوهريًا لا مناص عنه، ومن المستحيل أن يتحقق ذلك إلا في ضوء تعليم اللغة القومية ـــــ أية لغة ــــــ وتعلمها بوساطة مدرّس واعٍ بهذه القضية وخطورتها؛ لأن مدرّس اللغة القومية يمكن أن يؤدي دورًا رئيسًا في تأصيل الشخصية الوطنية والقومية للنشء الجديد.
ونلحظ أن التوسع غير المسبوق في التعليم قبل الجامعي بأنواعه المختلفة، يتطلب تزايد الحاجة إلى مدرسين مؤهلين تأهيلًا (تخصصياً، ومهنياً، وثقافياً)، ينسجم إعدادهم مع حجم التحولات العميقة والسريعة التي تتعرض لها مؤسسات إعدادهم بفعل قوى مادية وفكرية خارج سيطرة المؤسسة التعليمية، ناتجة من التغيرات العلمية والتكنولوجية المعاصرة المتسارعة، فضلاً عن التغيرات التنموية والاقتصادية، والاجتماعية والسياسية، المحلية والدولية المصاحبة.
وفي ظل تلك المتغيرات بدأت مؤسسات التعليم العالمية على اختلاف انواعها ومراحلها في التوجه الى تحديث وتجويد نظم التعليم وبرامج إعداد المدرسين، حتى يتسنى لها الالتحاق بركب التطور المتسارع الذي اصاب كل شيء في مجالات الحياة المختلفة، إلّا أنَّ مؤسسات اعداد المدرسين لاسيما مدرسي اللغة القومية في العالم العربي ومن خلال متابعتنا ودراستنا لواقعها، رصدنا قصوراً في وضع استراتيجية واضحة للتقويم، تستطيع اجراء التقويم الذاتي لنفسها؛ لتطوير وتحسين أدائها، مع الاخذ بالاعتبار ان جودة إعداد المدرسين تعد مسؤولية مهنية وليست متوقفة على سياسة معينة تضعها المؤسسة، ممّا يتطلب وضع اداة للتقويم تساعد على تحقيق الجودة والتطوير المستمر.
وقد شهدت العقود الاخيرة ظهور أنموذج حضاري جديد لا يولي القيم المادية والمقاييس الكمية نفس الاهتمام الذي كان يعطى لها في ستينيات القرن المنصرم، وبدلاً منها ظهر مفهوم الارتقاء بنوعية الحياة كأحد أهداف التنمية المستدامة، ثم غدا التمسك بالنماذج الكمية في قياس جودة التعليم دون وضعها في سياقها: الاقتصادي والاجتماعي والسياسي نوعا مخالفاً لقياس الحقيقة بدقة ومصداقية، ثم ظهر الحديث عن ثقافة الجودة؛ ليعكس رؤية جديدة تعكس الثورة المعرفية، التي احدثت نقلة جديدة في التعليم من حيث فلسفته واهدافه ومناهجه…وغيرها.
وتتبوأ المستويات المعيارية مكانة مهمة في ما يخص مهنة التدريس، وهذه المعايير لا ينبغي التخلي عنها في ظل الامكانات المحدودة التي تتوافر للمدرس، ولكي نحقق الجودة في إعداد مدرسي اللغة القومية، ينبغي وضع مستويات معيارية للقبول ببرامج إعداد مدرسي اللغة القومية، وتقديم تعليم عالي الجودة لمدرسي المستقبل، وينبغي وضع معايير عالية ودقيقة لتحكم هذه المهنة، وأن يتم تقويم مدرسي اللغة القومية في ضوئها.
ومن هذا المنطلق سعينا في هذا المؤَّلف إلى دراسة واقع إعداد مدرسي اللغة القومية في كليات التربية في العالم العربي ورصده ومتابعته، والوقوف على القطبية الثلاثية في إعدادهم، والمتمثلة: بالقطب التخصصي، والقطب، المهني، والقطب الثقافي، وركزنا في إعدادهم في دول ثلاث كأنموذج للدول العربية، وهي: جمهورية العراق، والجمهورية العربية المصرية، والمملكة الاردنية الهاشمية؛ لمسوغات تم تحديدها في متن المؤَّلف، وقد وازنّا بين مدى استناد كليات التربية في تلك الدول إلى معايير القطبية الثلاثية في إعداد مدرسي اللغة القومية، ووضعنا معايير ملائمة لإعدادهم بوساطة عرضها على خبراء من تلك الدول، وقد تم تقسيم المؤَّلف على تسعة فصول موزعة وفقًا للاتي:
الفصل الأول: تضمن فلسفة إعداد مدرّسي اللغة العربية، ودور المؤسسات التربوية والتعليمية في التنمية البشرية، أهمية الجامعات، أهمية كليات التربية، أهمية أقسام اللغة العربية، أهمية إعداد المدرسين، أهمية مدرس اللغة العربية، أهمية اللغة القومية، مسوغات المقارنة بين مؤسسات إعداد مدرسي اللغة القومية في العراق، ومصر، والأردن، فضلًا عن تحديد بعض مصطلحات الكتاب.
الفصل الثاني: تناولنا فيه الإعداد ثلاثيّ الأقطاب لمدرسي اللغة القومية، القطب التخصصيّ (المعرفيّ)، القطب المهنيّ، القطب الثقافيّ العام، الاتجاهات العالمية في برامج إعداد مدرسي اللغة القومية، نمطا الإعداد في كليات التربية، نماذج عالمية في إعداد المدرسين شملت: الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، دول أوربا، دول الاتحاد السوفيتي، إسرائيل، تركيا، إيران.
الفصل الثالث: ركزنا فيه على واقع إعداد مدرّسي اللغة العربية في العراق (جامعة بغداد/ كلية التربية/ ابن رشد)، وفي مصر (جامعة عين شمس / كلية التربية)، وفي الأردن (الجامعة الأردنية).
الفصل الرابع: عرضنا فيه مؤشرات ودلالات لدراسات وتجارب عربية، وأجنبية سابقة، مشابهة أو قريبة؛ لموضوع بحث المؤَّلف.
الفصل الخامس: تطرقنا فيه للدراسة الميدانية موضوع المؤَّلف، ومنهجية البحث وإجراءاته، ومجتمع البحث وعينته، وأبرز الوسائل الإحصائية، التي تم استعمالها.
الفصل السادس: نتائج الاستبانة المطبقة في العراق، والتي شملت مجالات المعايير العامة لمنظومة إعداد المدرسين، والأهداف، والتخطيط، وسياسة القبول وشروطه، والمنهج وبيداغوجية المحتوى، واستراتيجية التدريس وإدارة الصف، والمعلوماتية، والتدريب العملي خلال مدة الإعداد، ومدرس المدرس، وإدارة الكلية وقسم اللغة العربية، والتربية المهنية والثقافية، والسلام العالمي والتقارب الدولي، والتقويم والاختبارات، ورخصة التدريس، والتدريب في أثناء الخدمة.
الفصل السابع: تضمن نتائج الاستبانة المطبقة في مصر، والتي تضمنت نفس المجالات والمعايير المطبقة على العراق في الفصل السابق.
الفصل الثامن: نتائج الاستبانة المطبقة في الاردن، والتي تضمنت نفس المجالات والمعايير المطبقة على دولتي العراق ومصر في الفصلين السابقين.
الفصل التاسع: عرضنا فيه أبرز الاستنتاجات والتوصيات والمقترحات، التي توصلنا اليها، فضلًا عن عرض مصادر الكتاب وملاحقه.
راجين من الباري عزّ وجل ان يسدد خطانا في هذه الرحلة العلمية؛ لرفد مؤسسات إعداد مدرسي اللغة العربية في العالم العربي بمعايير ومستويات الجودة التي تم بنائها في هذا المؤَّلف؛ للنهوض بواقع مدرسي اللغة القومية في ظل الظروف والتحديات الراهنة، خدمةّ للغة أهل الجنة، لغة القرآن الكريم، لغتنا العربية، لغة الفصاحة والبيان.